الجزء الثاني والأخير
ما الذي يسبب النرجسية وكيف نعالجها؟
تعرفنا معاً في الجزء الأول على مفهوم النرجسية وعلى الصفات المميِّزة للطفل النرجسي، وهي صفات غير محبذة للشخصية، كما أنها في حال استمرت مع الطفل فقد تسبب له مشاكل مستقبلية متعلقة بعلاقاته مع الأسرة والمجتمع وبنجاحه في دراسته وعمله وكل مسارات حياته، إضافة إلى تأثيرها على شعوره الداخلي واستقراره النفسي، وفي بعض الحالات قد تتطور الصفات النرجسية لتكوّن شخصية مؤذية فاسدة ترتكب الجرائم وتسبب الأذى والدمار لكل من حولها، لذلك فإن (الوعي والتعلم) هما الركيزة الأساسية التي يجب أن يتكئ عليها المربون ليكونوا قادرين على استشعار أي علامة تساؤل تحيط بالطفل وتصرفاته ومن ثم التحرك للتعامل معها وتقويمها.
هل هذا خطئي أنا؟
هذا السؤال الذي يتردد في أذهاننا دوماً تجاه أطفالنا، هل نحن السبب؟
في الحقيقة وبما يتعلق بموضوع النرجسية فإن بعض أسباب تكونها تعود إلى أسباب بيولوجية والبعض الآخر يعود للبيئة وطريقة التنشئة، فقد تكوّن بعض الأساليب التربوية الخاطئة هذه الشخصية، ولكن على كل حال فإن أسلوب جَلد الذات الذي يمارسه بعض المربين ليس هو الحل المطلوب بل (الوعي والتعلم) كما ذكرنا والعمل على تقويم هذه الشخصية سواء كانوا سبباً مباشراً أم لا.
ما هي النقاط التي قد تكون سبباً في تكوين الشخصية النرجسية:
- التربية الهيلوكوبتر: فعندما يحاط الطفل بوالديه أكثر من اللازم ويقوموا بالمسارعة بتلبية كل متطلباته سينشأ لديه شعور بالاستحقاق للاهتمام والرعاية الزائدة وبأنه مركز الكون
- المدح المبالغ فيه على إنجازات بسيطة: إن تعظيم الإنجاز أكثر من اللازم وبطريقة مبالغ فيها باستمرار وبما لا يتناسب مع عمر الطفل يعطي الطفل نظرة متعاظمة لنفسه رغم الإنجازات العادية، ويبقيه في بحث دائم عن المديح حتى يشعر بالثقة
- إهمال الطفل وتهميشه: على الجانب الآخر فإن تهميش الطفل وعدم الاكتراث به وبإنجازاته وقدراته قد ينشئ ردة فعل دفاعية للطفل بحيث يكوّن شخصية نرجسية لحماية نفسه وإعطائها القيمة التي يفتقدها
- المبالغة في انتقاد الطفل: في هذه الحالة أيضاً سيدافع الطفل عن كيانه وقدراته بتكوينه شخصية نرجسية تحمل شعوراً بالعظمة والمبالغة في تقدير الذات
- تعرض الطفل لصدمة: مثل تعرضه للاعتداء الجنسي أو الجسدي أو اللفظي
تكمن الصعوبة في التعامل مع الطفل النرجسي في الصورة الداخلية لذاته وفي نظرته المشوهة للأمور، فهو رغم بشاعة الصفات التي يتصف بها لا يرى في نفسه عيباً، ولا يشعر بأن هناك خطباً ما أو مشكلة ما تخص الطريقة التي يتصرف بها، فهل من الممكن تعديل هذه الشخصية وتقويمها؟
لا توجد إجابة واحدة لهذا السؤال فهو يعتمد على عوامل عدة، فكلما كان التدخل التربوي أسرع وفي عمر مبكر فإن النجاح في تقويم هذه الشخصية سيكون أعلى، وكلما أعطى الوالدان مجهوداً حقيقياً لتعديلها ستكون نسبة التغيير للأفضل أكبر، لذلك ثابروا في توجيه أبناءكم نحو الأفضل بالاستعانة بالنقاط التالية:
- غرس قيمة التعاطف: لا تفوّتوا أي فرصة تلوح لكم لتكونوا مثالاً واقعياً لطفلكم عن التعاطف، سواء من خلال الأفعال أو الأقوال أو التعليقات المتعاطفة مع الآخرين
- تعليمه كيف يضع نفسه مكان الشخص الآخر، وجعله يستشعر أثر الكلمات الجارحة التي يصف بها الآخرين
- المشاركة في الأعمال التطوعية، التي تشعره بقيمة العطاء والبذل للآخرين
- تصحيح النظرة الداخلية للذات، والنظر إلى الإخفاقات على أنها أولى خطوات النجاح التي يمرّ بها الجميع
- امنحوهم الحب غير المشروط: أظهروا لهم الحب دون ربطه بالسلوك الجيد أو بالإنجازات العظيمة، يكفيكم أن تقولوا مثلا: (أنا أحبك كثيراً لأنك طفلي) بدلاً من قول: (أحبك لأنك تحسن التصرف أو لأنك أحرزت علامة عالية في مدرستك)
- توضيح الصورة السليمة للثقة بالنفس: فارتكاب بعض الأخطاء أو وجود بعض نقاط الضعف لدى الشخص لا تعني أنه أقل منزلة من غيره، فكل البشر يحملون نقاط قوة ونقاط ضعف، ولا بأس من أن يكون أحدهم بارعاً في جانب معين وضعيفاً في جانبٍ آخر
- وضع الحدود والقوانين: لا بدّ من ضبط التصرفات السيئة الصادرة عن الطفل خصوصاً التي تلحق الأذى بإخوته أو من حوله، فيجب أن يتحمل الطفل عواقب أفعاله ويتعلم تحمل مسؤولية ما يصدر منه
- تفوق الآخرين لا يعني فشلك: من المهم أن يفهم الطفل أن نجاح أحدهم لا يعني فشله وأن مدح الآخرين لا يُقصد به ذمه هو، ونأأنه من الممكن جداً أن تتكاثف الجهود والقدرات معاً لتحقيق نجاح مشترك للجميع
- تعريض الطفل لمواقف النقد البنّاء: لا بأس من توجيه الانتقادات البنّاءة بطريقة مقبولة وجعل الطفل يواجه شعور الانتقاد وتعليمه كيف يتعامل مع هذه المشاعر بطريقة صحيحة
- سرد قصص تتحدث عن الإيثار والعطاء للآخرين: فتاريخنا العربي وحاضرنا الحديث مليء بقصص الأبطال الذين قدموا حياة أهلهم وشعبهم على حياتهم الشخصية، وضحّوا بالكثير لينعم الآخرين
- لا تصفوه أبداً بوصف (النرجسي): فهذا لن يفيد أياً منكم، ومن شأنه أن يزيد الأمور تعقيداً ويثبت هذه الصفة عنده أكثر
إذا جربتم هذه الخطوات ولم تجد نفعاً فمن الأفضل اللجوء إلى المختصين واستشارتهم.
أتمنى أن تكون هذه المعلومات قد ساهمت في بناء الوعي لديكم عن الشخصية النرجسية وأن تكون معيناً لكم في تقويمها وتعديلها.
هديل قاسم
الجزء الأول