نحو أمومة أكثر إشباعاً

التأقلم مع دوركِ كأم هو من الأمور الأكثر صعوبة في رحلة الأمومة، الكثير من هذه الصعوبة يكمن في أن الجميع يظن أن الأمومة مسألة فطرية تولد مع الأنثى وأن محبتك لطفلك كافية لجعل الأمومة مهمة طبيعية وسهلة. في الواقع أنا إحدى الأمهات اللواتي مررن في رحلة طويلة نحو التأقلم مع دورهن كأم وإيجاد التوازن المناسب بين شخصيتي كأم وشخصيتي التي أعرفها وأحبها منذ سنين. الكثير من الأمهات يُشبّهن ولادتهن لأطفالهن بولادة جديدة لأنفسهن، نعم، هي ولادة جديدة للذات.


لأمومة أكثر إشباعاً وفرحاً، أنصح الأمهات ومن واقع تجربتي مع الأمومة بعدة أمور:

أولاً: تَقبَّلي مشاعرك الطبيعية مثل الإجهاد والأرق والإحساس المستمر بالمسؤولية والقلق حول تأقلمكِ لهذا الدور الجديد بالرغم من تواجد مشاعرك السلبية الكثيرة، فهي مشاعر طبيعية، اعملي على خلق روتين يساعدك في تفريغ هذه المشاعر بطريقة فعالة وتخصيص وقت لإعادة ضبط نفسيتك، فالأمومة مثل أي دور أخر لا تخلو من ساعات من الإحباط والملل والرتابة. فتقبُّل هذا الشيء يجعل مهمة السيطرة على هذه المشاعر أسهل.


ثانياً: عدم تقمص دور أمهات أخريات محاولة تبني شخصية لا تعكس جوهرك لظنك أن هذا أفضل لطفلك، كتقمص دور الأم الأفضل أو الأم المضحية أو الأم المتفانية على حساب صحتها. لتكوني أكثر سعادة كأم كوني فقط أنتِ، تحدثي بلغتك وتعاملي بطريقتك ومارسي حتى حس فكاهتك معهم، هذا لا يعني أن لا تُحسّني من نفسك أو أن تسعي لتكوني أماً أفضل، لكن يعني أن تكوني حاضرة بذاتك وسماتك الشخصية وأكثر قدرة على تكوين علاقة شخصية مبنيّة على الحب بينك وبين طفلك وعلى المدى البعيد ستساعد على تشكيل علاقة أكثر نضجاً بينك وبين أبنائك قائمة على الأخذ والعطاء المتبادل والحوار، و ليس فقط علاقة مربية أو معلمة وموجهة فقط . للأسف خوفنا الزائد على التفريط في تربية أبنائنا قد يحصرنا في الكثير من الأوقات في دور التوجيه. كونك ذاتك يعلم أطفالك تقبل ذواتهم والاحتفاء به.


ثالثاً: اعلمي أن الكثير من الأمومة هي مهارات، لا تُخلق معنا، بل نحتاج لصقلها على مدار السنين، فلا تكوني قاسية في الحكم على ذاتك. الصبر والتحمل وإدارة الوقت على سبيل المثال، كلها مهارات أساسية يجب أن تسعي لصقلها لتكون أمومتك أكثر سعادة ونجاحاً.


رابعاً: ليتقبل منك طفلك التهذيب والتوجيه، يجب أن يحس بالقرب منك وذلك القرب لا يحدث بطريقة طبيعية بقدر ما هو عبارة عن خلق أكثر حد ممكن من الأوقات الممتعة التي تكوني حاضرة فيها بوجدانك وعقلك والضحك معاً. التهذيب بدون علاقة قوية يخلق علاقة قائمة على الخوف ويحصرك في مكان السلطة فقط، فلا يراكِ طفلك إلا كما بمكانة الشرطي!


خامساً: احرصي على أن تُربّي أبناءكِ على تكوين علاقات صحية بالمستقبل، معكِ ومع إخوتهم ومع الآخرين عن طريق تعليمهم ماهية ديناميكية العلاقات، حيث يوجد خطأ واعتذار، يوجد عدم تفاهم ويوجد لأجله التواصل لحل سوء التفاهم، من الطبيعي أن يمر أبناؤك بأوقات أقل من المثالية وأن يشعروا بالغضب نحوك في بعض الأحيان ومن الخطأ محاولة إسعادهم طوال الوقت على حساب راحتك وقناعاتك.


الأمومة رحلة طويلة من تحسين الذات والتربية ليست عبارة عن توجيهات بقدر ما هي علاقة بين أشخاص يسعون لمساندة بعضهم البعض لإخراج ما هو أفضل منكم جميعاً، فكوني صادقة مع نفسك وواقعية في توقعاتك من أبنائك فهم لم يُخلقوا ليكونوا نسخة أفضل منك بل النسخة الأفضل من أنفسهم!


هدى مصطفى الحاج

This website uses cookies.