الجزء الرابع
أنعاقب أم لا نعاقب؟
بعد كل ما تعلمناه وطبقناه مع أبنائنا المراهقين من مهارات للتعامل مع مشاعرهم وتوجيههم في يومياتهم، قد تبقى هناك بعض الأمور العالقة التي لم تفلح هذه الأساليب في تجاوزها، في هذه المواقف تقفز تلك الفكرة البديهية في عقولنا: “إنه إذن وقت العقاب”!
أليس هذا منطقي؟ أليست العقوبة هي آخر خيار في سلم الحلول التربوية؟ وماذا تبقى لنا لفعله على أية حال؟
ربما يكون صادماً للبعض أن لا مكان للعقوبة ضمن العلاقة السليمة الحانية بين الوالدَين ومراهقيهم! إذ تتمثل مشكلة العقوبة في أنها تسهل تجاهل الخطأ بالنسبة للمراهق، والتركيز عوضاً عن ذلك على فكرةِ لا عقلانية والدَيه، علاوةً على أنها تحرمه – وهو الأسوأ- من اتباع الخطوات التي يحتاج القيام بها كي يصبح أكثر نضجاً ومسؤولية، العقوبة لا توفر أي خيار للمراهق بل تسدّ الأبواب في وجهه، لأن الأمر حينها يكون في حكم المنتهي، أما حين يتخذ الوالدَين الطريقة التي أوردها الكتاب وهي (بدائل المعاقبة) فقد تروق هذه الإجراءات للمراهق أو لا تروق، ولكن الخيار يبقى متاحاً بالنسبة له، ويُمنح الفرصة لمواجهة نتائج أفعاله والعمل على إصلاح الأوضاع التي تسبب بها، وتحويل الخطأ الذي ارتكبه إلى أمر صائب.
تعالوا نتعلم هذه البدائل بأمثلة عملية كعادتنا:
قام والد جيف بمعاقبة وحرمان ابنه من لعب كرة القدم طيلة الفصل الدراسي، والسبب أن التحاق ابنه بفريق كرة القدم جعل كل جهوده واهتماماته تنحصر فيها، فبعد الدوام المدرسي يصل جيف متأخراً إلى بيته منهكاً من التدريبات ثم يمكث طويلاً في غرفته، وكلما سأله والده عن فروضه المدرسية كان جيف يطمئنه بأنه يقوم بها على أكمل وجه، تفاجأ والده عندما وجد رسالةً على أرض غرفة جيف، إذ كانت إنذاراً من أستاذ الرياضيات لعدم إنجاز جيف واجباته المدرسية طيلة الأسبوعين المنصرمين، أُرسلت هذه الرسالة إلى الوالد بتاريخ يعود إلى أسبوع مضى!
ثار الأب وانفعل لما وجده، وما إن وطئت قدما ابنه أرض المنزل حتى انهال عليه باللوم الكبير، ثم انتهى الكلام إلى تحقيق العقوبة.
ماذا لو طبق هذا الأب خطوات (بدائل المعاقبة) التالية:
- أوضح مشاعرك
- أوضح توقعاتك
- أوضح كيفية التعويض
- وفر الخيارات
- اتخذ الإجراءات
سيكون الحوار كالتالي:
هذه الخطوات لا توحي بأنكم كآباء وأمهات تملكون قوةً تتيح لكم التحكم بأبنائكم ومنعهم أو حرمانهم من أمر ما، بل تضع القوة بين أيديهم، والكرة في ملعبهم، فيعود الأمر بالكلية لهم في معرفة ما ينبغي فعله، فمن خلال خطوات بدائل المعاقبة لا تكونون كأهل اعداءً لأبنائكم بل مناصرين لهم تعلمونهم تحمل المسوؤلية.
حسناً، قد يكون بعض الأبناء أكثر صعوبةً، وقد تكون هناك بعض المشاكل الأكثر تعقيداً، بحيث تبقى مستمرة حتى بعد تطبيق كل هذه المهارات، فما الذي ينبغي على الوالدَين فعله؟
بعد تطبيق كل المهارات السابقة يبقى لدينا مهارة تسمى ب ( حل المشكلة معاً)، تتمثل بدعوة أبنائكم والحديث معهم عن المشكلة وجعلهم يروون المواقف من منظورهم، ما يعني وضع مشاعركم جانباً، بصورة مؤقتة والإصغاء لهم، سيصبحون أكثر قابلية للاستماع إليكم بمجرد إدراكهم أن وجهة نظرهم قد سُمعت وفُهمت، وثم تتم محاولة إيجاد ما يرضي الطرفان من حلول.
فلنأخذ هذا المثال:
بهذه الطريقة سيشعر المراهق أن والدَيه يحترمانه ويصغيان إليه بجدية و يعطيانه الأمان كي يخبرهم بما يشعر به حقيقة، دون مقاطعة أو تعنيف، وبأنه ذكي وقادر على الخروج ببعض الأفكار، سيشعر أنه يشكل مع والدَيه فريقاً واحداً، وسيشارك بسن القوانين الموضوعة عوضاً عن أن تُفرض عليه فرضاً.
إذن تعلمنا اليوم (بدائل المعاقبة ) وطريقة ( حل المشكلة معاً)، جربوا هذه الطرق مع أبنائكم وغيروا من أساليبكم معهم لتحصلوا على نتائج طيبة بإذن الله.
تابعوا المزيد من هذه السلسلة…
هديل قاسم
كتاب: كيف تتحدث فيُصغي المراهقون إليك، وتصغي إليهم عندما يتحدثون؟
تأليف: إديل فابر – إلين مازليش
اضغط هُنا لقراءة الجزء الأول
اضغط هُنا لقراءة الجزء الثاني
اضغط هُنا لقراءة الجزء الثالث
اضغط هُنا لقراءة الجزء الخامس