لم يكن غائباً عن خاطري كم كان طفلي الصغير حساساً، فهو يغلق عينيه ويستشعر الريح على خده الصغير الذي تعلوه متعة باهرة، طفلي ذاته الذي لم أرى أحداً يستمتع بلمس الماء أو المشي على التراب حافياً مثله، ذو الحواس المتفتحة، هو ذلك ذاته الذي أراه اليوم يبكي لساعات من أجل كلمة قالها أحدهم، أراه مكسوراً في الزاوية كسراً هائلاً لأجل موقف صغير، وفي المطعم بعد قضاء ساعات من المرح خارجاً، أراه منعزلاً متعباً، تزعجه الروائح القوية ويغضب من الأصوات العالية. طفلي حساس جداً!
رؤية وجهه العابس تزعجني جداً، تفسير تصرفاته من الآخرين على أنها دلع زائد يزعجني أكثر، أتمنى لو أفهمه أكثر وحين أفهمه لمدة يومين، لا يلبث حتى يأتيني بتحديث جديد. طفلي الحساس الذي يشعر بجمال الدنيا كما لا أحد، أيضاً يتألم كما لا أحد.
في الآونة الأخيرة قررت أن أخرج من انزعاجي بسبب هشاشة قلبه إلى محاولة تفهم عالمه الذي كما يبدو معقداً جداً، كم أحدث التقبل لما هو عليه تقدماً صريحاً بإيمانه بإمكانية لتغلب على غضبه وألمه، وكم صرت استمتع برؤية حساسيته على أنها قوة كامنة.
هنالك الكثير من الكتب المفصلة التي أصبحت جزءاً من حياتي حين أدركت أنني لا أستطيع أن أمشي قدماً في تربيتي لطفلي من غير مساعدتها، والتي سوف أرفق آخرها في نهاية المقال، فأنا من دون ذلك الفهم لست مؤهلة للتعامل مع مشاعر طفلي بدون ترك ندوب وجروح والكثير من الألم في داخلي و داخل طفلي، لكن في هذه المقالة سوف أعرض بعض النقاط التي مكنتني كأم أن أتعايش مع شخصية طفلي الحساسة من واقع التجربة و الخطأ:
- التخلُّص من الفكر القائم على الطفل الذكر يولد بسمات شخصية تتضمن الصلابة والقوة وحبس الدموع والتحكم بالمشاعر أو إخفائها. الصلابة والتحمُّل هي مهارات يتدرب الطفل عليها في نشأته مع الدعم الدائم وتعزيز الثقة بالنفس وتقبلها.
- التخلُّص من فكرة أن الحساسية المفرطة هي عيب في الشخصية ، الحساسية قد تكون قوة خارقة وعامل أساسي في التفاعل مع الأحداث ورؤية التفاصيل التي قد يعجز الآخرون عن رؤيتها، توريث هذه النظرة للطفل وتمكينه من توظيف مشاعره الزائدة فيما هو مفيد، لا التخلص منها هو الهدف الأساسي هنا.الكثير من العلماء والكتاب والفنّانين والمُبدعين كانوا ذوي شخصيات حساسة جداً مما مكنهم من تقديم رؤية مختلفة.
- إدراك أن القرب الدائم والحوار عن هذه المشاعر مع طفلي هو الطريق الوحيد لتملك قلب هذا الطفل وليس الكسر. التقليل من شأن مشاعره أو تحقيرها عن طريق المعاقبة والتعزير، الطفل الحساس قد يعزل نفسه ويشعر بوحدة بالغة وعدم التفهم الدائم من قبل الوالدين إن كان هذا هو الأسلوب المتبع، لذلك فهو أكثر عرضة للاستغلال من جماعات متطرفة أو علاقات غير صحية في المستقبل أو الفقد التام للتواصل مع الوالدين.
- عليكِ أن تُفسّري بطريقة واضحة وصريحة، ما تشعرين به أيضاً لطفلك، فهو حين يرى أن مصلحته وحبك له وليس فقط محاولة السيطرة على سلوكه هو الدافع لك ليتعلم كيفية التعامل مع مشاعره بطرق صحيحة غير مؤذية له و لمن حوله. ولكي يرى أن الأهل ليسوا خالين من المشاعر أو أن تلك المشاعر السلبية هي ضعف أو قلة حيلة بل هي جزء من تكويننا البشري يمكن إدارته والتحكم فيه لبناء شخصية متزنة.
و أخيراً أرفق كتابين ساعداني على بناء هذا الفهم و تعزيز التعامل مع طفلي الحساس:
- The simple Guide to Sensitives Boys by Betsy de Thierry
- Raising your Spirited Child by Mary Sheedy Kurcinka
هدى الحاج