“إطلاق العنان لطاقات الأبناء يجعلهم مبادرين وسعداء وطلاباً نجباء.”
يأتي الأطفال إلى العالم شغوفين بالتعلم وقادرين عليه، ومؤهلين له جينياً ونفسياً بما يكتنزونه من قدرات استثنائية. وخلال السنوات الأربع الأولى من أعمارهم يستوعبون قدرًا هائلاً من المعلومات، ويكتسبون العديد من المهارات دون الإرشاد المباشر، فيفهمون ثقافة مجتمعهم ويتعلّمون التحدث بلغته، ويتعلمون كيف يدافعون عن آرائهم، وكيف يجادلون، وكيف يعقدون صداقات مع الآخرين، وكيف يطرحون أسئلتهم. كما أنهم يُعمِلون خيالهم ويعبرون عن آمالهم، ويرسمون ألواناً زاهيةً لأحلامهم.
يدفعهم إلى كل هذا فضولهم التلقائي، ودوافعهم الفطرية. إلا أن هذه الرغبة الجامحة والقدرة الهائلة على التعلم، تتوقف أو تنحرف عن مصدرها الفطري وعن طبيعتها، عندما يبلغ الأطفال الخامسة أو السادسة من العمر، بفعل نُظم التعليم الإلزامي، وبمعنى أوضح “التعليم الإجباري” فالدرس الأول والأصعب الذي يتعلمونه في المدارس هو أن التعلّم عمل شاق، وواجب إجباري، يخلو من المتعة والبساطة والتلقائية، ولذا من الأفضل تجنبه أو التحايل عليه، والتعامل معه بنفس أدواته، للتخلص من عيوبه، والاكتفاء بما يمكن الاقتناع به من حسناته.
فطرة اللعـب
الأطفال مجبولون بطبيعتهم على حب اللعب والاستكشاف الذاتي دون مساعدة الكبار. وهم يحتاجون إلى الانطلاق والحرية في اللعب من أجل أن ينموا. كما أن دوافعهم للعب بحرية هي دوافع غريزية وإضافية كامنة ومتوثِّبة. صحيح أن فقدان القدرة على اللعب بحرية قد يوهن الجسد كما يفعل نقص الغذاء أو الهواء أو الماء، إلا أنه يقتل الروح ويعوق النمو العقلي والنفسي بكل طاقاته واحتمالاته. فاللّعب الحر هو الوسيلة التي يتعلّم من خلالها الأبناء كيف يكسبون الأصدقاء، والتعاون والانتماء، فضلاً عن التغلبُّ على مخاوفهم، وحل مشاكلهم، والسيطرة على مُجريات حياتهم.
عندما تتاح للأطفال الحرية والوسائل والظروف التي تُمكّنهم من تحقيق احتياجاتهم الخاصة بأنفسهم، وفي ظروف آمنة، فإنهم يزدهرون ويَتطورون ويندفعون في مسارات متنوعة وغير متوقعة، ويكتسبون المهارات المناسبة والثقة اللازمة لمواجهة تحديات الحياة. في مثل هذه البيئة، لا يطلبُ الأطفالُ مساعدة الكبار إلا عند الحاجة الماسة فقط. فليس هناك ما يدعو لإجبارهم أو «إلزامهم» على الدروس والواجبات والمهمات والاختبارات والدرجات، وتدريسهم بالإكراه – تبعاً لأعمارهم – في فصول دراسية جامدة، استناداً إلى سياسات واستراتيجيات وأدوات عفى عليها الزمن، ولم تتطوّر منذ فجر نظم التعليم الإلزامي. فكل هذا يتداخل – في الواقع العملي – ويتعاكس مع تلقائية وفطرة التعلّم الطبيعي التي يتمتع بها كل من البنات والأبناء بلا استثناء.