للقصّ قدرة مذهلة على تشكيل الطريقة التي ينظر بها أطفالنا للعالم من حولهم، فالقصص تثري عالم الطفل وتمنحه القدرة على التعرف على شخصيات وأماكن استثنائية ليسبح في عالم عابر لحدود التجربة الحياتية الضيقة، للقصص القدرة أيضاً على مساعدة الطفل على التعامل مع الواقع من حوله، وقد يبدو مفاجئاً أيضاً معرفة ما للقصة من الأهمية في تنمية جانب التعاطف لدى الأطفال؛ تلك المهارة المهمة التي ستمنحهم القدرة مستقبلاً على فهم وتوقع أفكار وردود أفعال الآخرين من حولهم، وبالتالي نمو لذكائهم العاطفي والاجتماعي أكثر، للقصص أيضاً قدرة مذهلة على تقوية الروابط والأواصر العاطفية بين القاصّ والطفل، بالإضافة إلى قدرتها المذهلة على زيادة الحصيلة اللغوية لدى الأطفال.
القصص متنوعة ومختلفة، فقد تكون من النوع الواقعي أو الخيالي، في الحقيقة اعتدنا دائماً الاعتقاد بأن الأطفال سيستفيدون من القصّ الواقعي أكثر منه من القصّ الخيالي، وأن القصّ الخيالي ما هو إلا باب من أبواب المتعة غير الضارة وفي أفضل الأحوال ما هي إلا باب من أبواب التنفيس الجيد لا أكثر، لكن بعض التجارب الحديثة قد لاحظت بأن الأطفال قد يتعلمون أكثر عبر القصّ الخيالي، قد يكون السبب في ذلك أن الأطفال يكونون أكثر انتباهاً وأشد تركيزاً عند عرض أحداث تتحدى فهمهم للعالم الواقعي من حولهم ومعرفتهم المسبقة عن هذا العالم، بالإضافة إلى أنها أحداث لا يراها الطفل كل يوم وبالتالي سيحفزه ذلك أكثر ليعيرها كل الاهتمام والتركيز متيحاً بذلك فرصة أكبر للاستفادة والتعلم.
إذاً فالقصّ الخيالي يفعل ما هو أكثر من إبقاء الطفل مستمتعاً فقط فهذه الأحداث المستحيلة بالنسبة للطفل ستعمق بدورها المعالجة العقلية للحدث عند الطفل، كما أن للخيال الأثر الأكبر في تحفيز الإبداع والابتكار لدى الأطفال، ووفقاً لعلم نفس النمو فللأطفال غالباً قدرة مثيرة للاهتمام على الفصل والتمييز بين الواقع والخيال.
لا يعني ذلك الانتقاص من القصّ الواقعي فبالتأكيد لكل دوره، وفي الحقيقة ولكي تحقق القصة أعظم الفائدة لا بد من اتباع بعض الخطوات المهمة أثناء رواية القصة للطفل؛ منها أن لا بد من طرح أسئلة متنوعة على الطفل خلال قراءة القصة وذلك لتحفيز نمط التفكير النقدي والتحليلي تجاه الأحداث، بالإضافة إلى محاولة استخدام مصطلحات تتناسب مع عمر الطفل، ولعلّ من المفيد أيضاً أن نطلب من الطفل أن يحكي لنا القصة بلغته الخاصة بعد الانتهاء منها.
بعد ادراكنا للتأثير المعرفي والاجتماعي والعاطفي واللغوي التي قد تتركه القصة على أطفالنا ندرك الآن مدى أهمية انتقاء المادة القصصية الأفضل لأطفالنا، ومدى الاهتمام والجدية والعبء الذي يقع على عاتق والذي يجب أن يوليه العاملون في مجال صنع القصة للطفل هذا المجال الثري والممتع لكليهما.
أفنان أبو الرُّب