في الحرب العالمية الثانية خُصصت عنابر ليتامى الحرب من الأطفال، ولوحظ في حينها أن عنبراً منها كان أطفاله أكثر هدوءً وسكينة، وأقل نسبة وفيات من غيره، وكانوا طيعين أكثر لممرضاتهم، يستمعون لكلامهن وينفذون أوامرهن وطلباتهن، وكانت كل هذه الملاحظات دافعاً قوياً لأحد الأطباء لطرح سؤال مهم على نفسه:
لماذا أطفال هذا العنبر بالذات يتصفون بهذه الصفات؟
وبدأ يقارن بين هذا العنبر وغيره فوجد أن طعام العنابر كلها متشابه، والعناية الطبية فيها متشابهة، ولم يميز ذلك العنبر عن غيره إلا أمر واحد فقط، أن امرأة عجوزاً تسكن بالقرب منهم تزورهم كل يومٍ تمسح على رؤوسهم وتحتضنهم، وكانت المفاجأة الكبرى أن نسبة الوفيات والمرض وكذلك التخلف العقلي عند الذين حرموا من اللمس أعلى ممن كانوا يلمسون، وهذا ما أثبتته الدراسات فيما بعد أن الطفل الذي يلمس مقارنة بالطفل الذي لا يلمس، يزيد وزنه بمعدل 47 بالمائة، وجهازه العصبي ينضج أسرع، ويكون أكثر نشاط، ويتشافى من الأمراض والالتهابات أسرع، وبعد أن يكبر قليلاً تكون نتائج الاختبارات العقلية والنفسية عنده أفضل.
و في دراسة للباحث اكريمان (1991 ackerman) وجد أن الطفل الذي يحصل على مسح جيد من قبل أفراد أسرته يكون أقل عدوانية وأقل مشاكل في المدرسة والبيت قياساً على الطفل الذي لا يحصل على لمس والديه، وقد أثبت علم النفس أن للَّمسات أثراً عميقاً في نفسية وسلوك الإنسان، واللمسات تعتبر وحدة الإدراك والاعتبار، أي هي الأساس لاعتبار الناس والاعتراف بوجودهم وإعطائهم قيمتهم.
وقد حثنا نبينا الكريم صلى الله عليه وسلم على المسح على رأس اليتيم عطفاً عليه، ولينا لقلب الماسح وذلك عندما جاء إليه رجل يشكو قسوة قلبه، فقال له عليه الصلاة والسلام: (أتحب أن يلين قلبك وتدرك حاجتك: ارحم اليتيم، وامسح رأسه، وأطعمه من طعامك يلين قلبك وتدرك حاجتك).
وهذا ما أكده الدكتور (نيل سولو) من أن اللمس هو أكثر علاج موجود في الدنيا يعطي آثاراً إيجابيةً للطرفينِ المتلامسينِ، معطي اللمس ومستقبل اللمس، في ذات الوقت.
لذا نصيحتنا لكم: أكثروا من المسح على رأس أطفالكم، وأكثرو من ملامستهم وعناقهم، لتشعروهم بالأمان والحنان والحب منكم، ولتجدوا اللين والعطف في قلوبكم عليهم.